السبت، 29 مارس 2014
3:09 م

بحث : الهجرة السرية الأسباب والنتائج والأبعاد

   الهجرة السرية الأسباب والنتائج والأبعاد   

لم تعد حالة الهجرة السرية في المغرب تعكس الصورة التقليدية التي كانت سائدة في بداية التسعينات والتي كانت تتميز بهيمنة المحاولات المعزولة التي كان يقوم بها مواطنون مغاربة. وقد أخذت عمليات الهجرة السرية تعتمد على شبكات منظمة ومهيكلة حول شبكات متداخلة تغذي اجراما عابرا للحدود يصعب التحكم فيه .

مضت لم يكن مصطلح " الحريك" بالمألوف بالنسبة لأذن المواطن المغربي، لكنه أصبح الآن مصطلحا دارجا و متداولا في الشارع، و " الحريك" هي كلمة باللهجة المغربية تعني " الهجرة السرية" ، و تنطق هذه الكلمة بتغليظ الكاف ، و هي تعني أن صاحبها " يحرق" كل المراحل و ربما كل أوراق هويته، متجها نحو أوروبا عن طريق سبل عدة ، ليس الاختباء في مقطورة شاحنة أولها و لا آخرها.
لكن ، متى بدأت هذه الظاهرة في الاستفحال بالمجتمع المغربي " و لماذا في هذه الفترة بالضبط؟
لا يمكننا - مهما حاولنا - أن نذكر تاريخا محددا لهذه البداية، لكننا نستطيع أن نقول - بثقة - أن أوائل التسعينات كانت فترة البداية ، خصوصا بعد القولة الشهيرة ل" فيليبي غونزاليس " رئيس وزراء إسبانيا الأسبق: " لو كنت مواطنا من دول الجنوب، لغامرت أكثر من مرةحتى الوصول إلى أوروبا" و لا أحد يستطيع أن ينكر ما كان لهذا القول وقتها من تأثير على الشباب المغربي ، و الإفريقي على وجه العموم.
خاصة بعد أن فرضت دول الاتحاد الأوروبي وقتها التأشيرة، بعدما كان بإمكان كل مغربي السفر إلى هناك بجواز السفر فقط.و لكن، لا يمكن اعتبار فرض التأشيرة سببا أوليا للهجرة السرية حتى بفرض أن " كل ممنوع مرغوب" ، فلا أحد يلقي بنفسه في عرض البحر معرضا حياته للخطر، فقط من أجل كسر القوانين.
ويمثل المهاجرون السريون القادمون من البلدان الافريقية جنوب الصحراء المكون الرئيسي لهذه الظاهرة التي لا تخفى امتداداتها الدولية. في حين شهدت حركة الهجرة السرية للمواطنين المغاربة نوعا من الجمود وتراجعا منذ 2002 ، وهو التراجع الذي يعود على الخصوص إلى الإجراءات الأمنية الرادعة المتخذة من طرف السلطات المغربية وكذا من خلال حملات التحسيس حول مخاطر الهجرة السرية .
وتعتمد شبكات الهجرة السرية على المستقطبين وموفري الايواء والناقلين الذين يتوفرون في الغالب على أوراش سرية لبناء القوارب.
وكقاعدة عامة ، يحاول المهاجرون السريون العبور إلى الضفة الاخرى بواسطة القوارب او شاحنات النقل الدولي سواء عبر مضيق جبل طارق او جزر الكناري . كما يحاول مهاجرون مغاربة آخرون الالتحاق بإيطاليا عبر جزيرة لامبدوزة .ويمثل تدفق المهاجرين السريين الاجانب مشكلا حقيقيا له انعكاسات متعددة حيث لم يعد المغرب بلد عبور ، ولكن وجهة نهائية .
وقد مكن تفهم مختلف جوانب هذه الظاهرة مصالح الامن من ترشيد طرق العمل والتدخل والتحقيق . كما مكن السلطات المغربية من وضع استراتيجية للمحاربة الشاملة والمندمجة لهذه الظاهرة

   أسباب استفحال هده الظاهرة:

إذن لماذا يهاجر هؤلاء تاركين وراءهم أحبابهم و أهلهم و بلدهم أيضا؟ تقول الإحصائيات أن البطالة ارتفعت بشكل تصاعدي منذ منتصف الثمانينات بالمغرب . مجازون، دكاترة، مهندسون .. كل هؤلاء لم تعد تشفع لهم شهاداتهم للحصول على عمل، و بدأت الآفاق تضيق يوما عن يوم حنى لتكاد تنغلق، و الآلف من خريجي الجامعات يقارعون البطالة و يرون أن السنوات التي أمضوها في الدراسة لم تنجح سوى في إعطائهم لقب "معطل". و يرون - بعين الألم - من كتب لهم و سافروا إلى أوروبا يعودون بسيارات من أحدث طراز و هواتف محمولة ثمينة.
ترى ، ماذا سيكون شعور شخص يعيش هذا الواقع بشكل يومي ، يقول سعيد . خ ، معطل في الرابعة و الثلاثين من عمره : " إنه اليأس ، أشعر بالاختناق حقا. تصور أنني أخجل من دخول البيت كي لا أنظر في عيون والديّ اللذين كانا يتمنيان بأن أصبح موظفا أو أستاذا ،و كانا يعتمدان عليّ في المساعدة في مصروف البيت الذي يتكون من ستة أفراد. كل الأحلام تبخرت ، الأعوام تمر و لا انفراج في الأفق، و لو وجدت فرصة للهجرة لما ترددت و لا لحظة واحدة ، و أيا كانت الوسيلة".
ما ذكره سعيد هو ما يعانيه أغلب المعطلين بالمغرب ، و أنت تسألهم " لماذا تغادرون بلدكم، أليست أولى بكم ؟" يفحمونك بإجاباتهم " و ما الذي سنفعله هنا؟" لا إجابات طبعا.
هذا من جهة، من جهة أخرى يمكن أن نقول أن للإعلام تأثيره الذي لا يمكن إغفاله حيث يظهر أوروبا على أنها جنة النعيم التي تمطر الأموال مدرارا.
الجالية المغربية بالخارج تكرس هذه الفكرة أيضا ، و ذلك عندما يعود العمال المهاجرون بالخارج و آثار النعمة بادية عليهم. لكن أي ملاحظ جيد يمكن أن يدرك ، دون كبير عناء، أن الظروف قاسية هناك و أن تلك السيارات و كل ما يتبعها هيمجرد قروض لا تلبث أن ترد حال العودة إلى أوروبا.

   استراتيجية متعددة الأشكال

تندرج الاستراتيجية التي اعتمدتها السلطات المغربية في مجال مكافحة الهجرة السرية ضمن منطق شمولي يجمع بين الأوجه القانونية والمؤسساتية والأمنية والسوسيواقتصادية والتواصلية .
فعلى الصعيد التشريعي ، دخل حيز التنفيذ القانون رقم 03-02 حول دخول واقامة الاجانب في المغرب والهجرة والهجرة المعاكسة في نونبر 2003 . وكان الهدف من ذلك يقضي بتوحيد القوانين السابقة وضمان الانسجام بين المقتضيات الجديدة والقانون الجنائي وترشيد معايير اقامة الاجانب في المغرب وخاصة تقنين المخالفات المرتبطة بالهجرة السرية. وفي هذا السياق تم تجريم تهريب المهاجرين حيث اصبح مرتكبو هذه الاعمال معرضين لعقوبات سجنية تتراوح بين عشر سنوات والمؤبد . كما يحمي هذا القانون حقوق الاجانب ما دامت طرق اللجوء إلى القضاء معروفة بشكل واضح .
وعلى الصعيد المؤسساتي تم اتخاذ اجراءين قويين لتعزيز هذه الترسانة من القوانين ويتعلق الامر بانشاء مديرية لشؤون الهجرة ومراقبة الحدود على مستوى وزارة الداخلية ومرصد الهجرة .
وسيمكن انشاء مديرية الهجرة ومراقبة الحدود التي تتولى تحديدا هذه المهمة مع اختصاصات ومجال عمل واضحين ، من حشذ ادوات التحليل وترشيد نشر وحدات للمراقبة. كما تسمكن من مراقبة نقط التسرب التي يلجأ اليها المهاجرون السريون على طول الحدود. ويتيح انشاء هذه الهيئة التوفر على جهاز فعال للتدخل تساعد قدرته على التحرك والانسجام على التكيف مع الأساليب المتطورة لشبكات الهجرة.
وتتجلى المهمة المناطة بهذه الهيئة في مستويين : مستوى للتحليل حول شبكات الهجرة السرية على الصعيدين الوطني والدولي، ومستوى ثاني يخص الدعم العملي لمراقبة الحدود .
ويكمن دور المرصد في اشراك كل الاطراف المعنية في التفكير المتعدد الاختصاصات حول مسألة الهجرة وخاصة المجتمع المدني والباحثين. كما انه يقوم مقام بنك للمعلومات الإحصائية على الصعيد الوطني.
            - البعد الأمنـــي
يتميز العمل الدائم للسلطات المحلية ومصالح الأمن وكذا القوات المسلحة الملكية باليقظة حيث تقوم الدوريات الجوية وعمليات التمشيط الارضية وكذا العمليات الاستخباراتية بإجهاض محاولات الهجرة في مهدها. هذه المقاربة المتعددة الأبعاد مكنت من تحقيق تراجع في احصائيات الهجرة .
ويعد التعاون الدولي بطبيعة الحال أحد ركائز مكافحة الهجرة السرية، حيث تقوم مساعي المغرب على مبدأ المسؤولية المشتركة مع شركائه. وفي هذا الصدد يمثل تعاون المغرب مع كل من اسبانيا والاتحاد الاوروبي ونجيريا نموذجا للشراكة بين الشمال والجنوب والجنوب جنوب .
فبالنسبة للتعاون مع إسبانيا عقدت المجموعة الدائمة المشتركة المكلفة بالهجرة التي أحدثت في نونبر 2003 ، أربعة اجتماعات كان آخرها الاجتماع الذي عقد في 15 شتنبر 2004 في قرطبة والذي مكن من تسجيل تقدم ملحوظ . وهكذا انطلقت الدوريات المشتركة بين الدرك الملكي والحرس المدني الاسباني بين مدينة العيون ولاس بالماس في فبراير 2004 . كما تم القيام بدوريات مشتركة جوية وارضية مكنت الاسبان من الوقوف على الجهود التي تبذلها السلطات المغربية وتم توسيع هذه التجربة لتشمل منطقة المضيق ، حيث تم القيام باول دورية مشتركة في نونبر 2004 . و عين المغرب 4 ضباط ارتباط بمدريد وجزر الكناري والجزيرة الخضراء لدى النظام الالكتروني الذي وضعه الجانب الاسباني لمراقبة مضيق جبل طارق .
من جهة اخرى تم القيام بخمس عمليات من طرف السلطات النيجيرية مكنت من ترحيل حوالي 1700 مواطن نيجيري جوا كانوا يوجدون في وضعية غير قانونية بالمغرب. وجرت عمليات الترحيل التي تعتمد على العودة الطوعية في اطار احترام حقوق الانسان وكرامة الاشخاص .
ويتفاوض المغرب حاليا مع الاتحاد الاوروبي حول اتفاق اعادة القبول. كما ان الجانبين يوجدان على وشك التوقيع على اتفاقية لتمويل برنامج مخصص لمراقبة الحدود يندرج في اطار برنامج "ميدا" ويشتمل على ميزانية تقدر بأربعين مليون أورو .
ولا يغفل المغرب البعد السوسيواقتصادي حيث انه يدعو شركاءه إلى عدم التركيز على الجانب الامني، وتفضيل المعالجة الاقتصادية لظاهرة الهجرة من خلال التنمية المشتركة التي توفر مناصب الشغل من اجل تثبيت المرشحين المتحملين للهجرة.
و نص اتفاق الشراكة المغربي الاوروبي على وضع مجموعة عمل مكلفة بالشؤون الاجتماعية والهجرة ويتمثل أحد أهدافها في بلورة مشاريع صغرى في المناطق التي يحتمل أن تكون منطلقا للمهاجرين.
كما تؤخذ التوعية والبعد الإعلامي بعين الاعتبار، ويكمن هدف الاستراتيجية المعتمدة في تحسيس المرشحين المحتملين من خلال وسائل إعلام مختلفة (روبورتاجات، ووصلات تلفزيونية، والصحف، وموائد مستديرة، وأفلام وثائقية… الخ) لتسليط الضوء على مخاطر الهجرة السرية واحتمال استغلال المهاجرين من طرف شبكات التهريب، وإطلاعهم على فرص الهجرة الشرعية كبديل.
إن قضية الهجرة والهجرة السرية بالخصوص أصبحت أكبر من أن تختصر في أرقام وأعداد، وأن تذكر في قصاصات الأخبار لهذه الوكالة أو تلك، وأن يكتفى في البحث عن دوافعها وأسبابها، ويؤسس لها مراكز ومديريات
إنها صرخة شباب أمام واقع الفساد الإداري والاقتصادي الذي تعيشه الدولة المغربية، صرخة أمام االملايير لتي تسرق وتختزن في جيوب أولئك الذين وفروا لأنفسهم الحماية
إن القضية أصبحت "خيارا" حقق حوله الشباب المغربي إجماعا انعدم نظيره، إجماع يؤكد -لمن هو في حاجة إلى ذلك- فساد الاختيارات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية للدولة المغربية الحديثة، حتى أصبح الكل يعيش على أمل الهجرة يوما ما، حيث المقام هنا لن يكون إلا مؤقتا ما دام الانتماء إلى الوطن مجرد وثائق ليس إلا...
فاليوم كل الطرق تؤدي إلى أوربا -وليس إلى روما فقط- وكسب الرهان بالنسبة لهؤلاء الشباب مرتبط بمدى القدرة على إبداع واكتشاف طرق جديدة تضمن لهم الحريك بأقل الأضرار، حتى أصبح الشارع المغربي يتداول كل يوم طريقة جديدة للتهجير، كانت آخر تقليعة تفتقت عليها عبقرية بعض المختصين تتعلق ب" الحريك الجمعوي" حيث يتعلق الأمر بجمعيات تقوم بتهجير الشباب وراء ستار تبادل الزيارات واللقاءات بين الضفتين. والغريب في الأمر أن هذه "الاستراتيحية" تلقفتها حتى تلك الجمعيات التي تدعي الارتباط بالهموم اليومية للمواطنين وبالهوية، بل تدعي في ’تنظير’ لم يسبق له مثيل أنها سوف تحل محل الدولة والأحزاب.
لقد كان المغرب دائما يمثل الجسر بين إفريقيا و أوروبا، و قد تأكد هذا مع استفحال ظاهرة الهجرة السرية. و هذا ما دفع السلطات المغربية الىإحداث هيئات مكلفة بهذا المشكل الذي اتسع مداه بشكل لم يسبق له مثيل. و قد أصبح الوضع يتطلب مكافحة شبكات الهجرة السرية و تهريب البشر، بل دفعهم الى الموت المحقق، هي شبكات أضحت تحصد أرباحا طائلة تفوق 12 مليار دولار سنويا. و هي تعتمد على "وكلاء" محليين يعملون على استقطاب الراغبين في الهجرة بأي ثمن.
و من الهيئات المستحدثة بالمغرب للتصدي لهذا المشكل مديرية الهجرة و حراسة الحدود و مرصد الهجرة. تكلفت الهيئة الأولى بتطبيق الاستراتيجية الوطنية المتعلقة بمكافحة شبكات الهجرة السرية و حراسة الحدود المغربية، أما الهيئة الثانية فتكمن مهمتها في تجميع مختلف المعلومات و القيام بالدراسات بصدد هذه الظاهرة و ذلك بهدف تفعيل الانسجام بين الفعل على أرض و اتخاذ الإجراءات الوقائية بغرض بلورة حلول مجدية للتصدي لمعضلة الهجرة السرية.
و حسب الإحصائيات المتوفرة هناك 5 عمليات للهجرة السرية يوميا و ما يناهز 170 شهريا و ذلك منذ 1992. و رغم الجهود المبذولة فلازالت هناك صعوبات للوصول إلى الرؤوس المنظمة و المخططة لشبكات الهجرة السرية.
و يبدو أن أكبر مستفيد عمليا من الهجرة السرية اسبانيا التي أضحت تتوفر على يد عاملة زهيدة الثمن و بدون مطالب حتى في حدها الإنساني الأدنى.
و مهما يكن من أمر فان حصيلة الهجرة السرية ثقيلة و ثقيلة جدا، فعلى امتداد عقد و نصف تقريبا تجاوز عدد الضحايا 40 ألف فقدوا حياتهم في مياه مضيق جبل طارق، و أكثر من 200 ألف مهاجر في وضعية غير شرعية يستغلون أبشع استغلال في سوق العمل باسبانيا، و هذا في وقت تدعي فيه أوروبا التعامل مع إشكالية الهجرة السرية بطريقة إنسانية.








0 commentaires:

إرسال تعليق